Tuesday, July 21, 2009

برشلونة أم ريال مدريد



برشلونة أم ريال مدريد

يحدث ان تنام مبكراً كي تصحو مبكراً، كي تذهب الى عملك او الى جامعتك في الصباح، وبعد أن تغرق في نومك تصحو منزعجاً، يقلق نومك صوت قادم من الخارج، من نافذتك، صياح وسباب، شتائم وعراك، تظن أن الجيش الإاسرائيلي قد اقتحم الحي، او ان عراكاً كبيراً قد دارت رحاه بين عائلتين كبيرتين، او أن لصاً قد اقتحم بيتاً في حيكم واستيقظ اهل الحي عليه، تضع غطاءك جانباً وتقترب من النافذة لتتفحص الوضع، فتجد أن الصوت قادم من الشقة المقابلة وصوت شبيه من الشقة المجاورة، وآخر من بيت على الناصية الأخرى من الشارع، تتعجب، ترى ما هو هذا الحدث الذي يجمع كل هذه البيوت وهؤلاء الناس، ربما حدث ما حصل في بلد إسلامي او عربي، وما هذه الاصوات الا شجباً او تضامناً، يزيد فضولك فتفتح التلفاز علك تجد تفسيراً لتساؤلاتك، ولكنك لا تجد اي أخبار عن اي حدث غريب، وبينما تقلب المحطات تمر بمحطة رياضية تبث صوتاً يشبه احد مكونات المزيج الصوتي الذي سمعته منذ قليل، ينطلق صوت المعلق قائلاً : يا لها من فرصة تلك التي اضعتها يا رونالدينيو، ويكمل : يأخذ زيدان بزمام هذه الهجمة ويتقدم ويحرز هدفاً يا له من هدف رائع، في هذه اللحظة يزيد وطؤ الاصوات القادمة من بيوت الحي بمزيد من الحدة والفرح من جهة، والسخط والسباب من جهة أخرى، تكتشف عندها بأن هذه الفوضى الحربية ليست الا تجاوباً مع احداث مباراة من مباريات الدوري الاسباني.


هل بات الدوري الاسباني همّ شعبنا المؤرق، وأصبح مصير فريق أجنبي أهم من مصير دول أخرى؟ دول عربية وإسلامية؟هل يحدث ويتكرر هذا المشهد عند ارتكاب العدو الصهيوني لمجزرة في لبنان او في غزة او جنين؟ للأسف لا.فأهمّ ما نفعله في هكذا حالات هو أن نقول : لا حول ولا قوة الا بالله بصوت هامس وربما تحاول عبرة متمردة ان تنطلق من عيوننا إن رأينا أشلاء الاطفال تتبعثر هنا وهناك.

يبدو بان قوميتنا العربية قد ذابت تحت حرارة الدوري الاسباني، وضاعت صيحات روحنا الاسلامية بين تعليقات المعلق وهتافات المشجعين، هل نحن حقاً من ننكر حقنا في أرضنا ونقر حق البارشا او الريال في استحقاق الكأس، هل اصبحنا نعرّف انفسنا بانتمائنا الى فرق رياضية ونسينا إسلامنا وعروبتنا؟

لا ادري لماذا أحس أحياناً بأن هذه المباريات لم تُبتدع الا لتهلينا عن قضيتنا واوجاعنا، قرأت في مقالة في صحيفة ما في يوم من الأيام بأن الحكومة المصرية تعين مباراة بين فريقي الاهلي والزمالك عندما تريد ان تغطي على فعل من أفعالها، لتداري عاصفة الجماهير وتمتص غضبهم بمباراة، يفرغون ما لديهم في تسعين دقيقة، فيصيحون على اللاعبين بدل أن يصيحوا في وجه حكومتهم، ويسبون المدرب بدل ان يسبوا حاكمهم، ليس هذا بغريب،فكلنا نعرف قصة الليلة الحمراء مع وردة الجزائرية التي ضاعت فيها عزائم الجيش العربي وضاع من بلادنا ما ضاع في تلك الليلة.

نتحدث في المجالس في مساجدنا وجامعاتنا ومدارسنا كالواعيين عن الغزو الثقافي والعولمة، وكيف أننا لا نلبس الا ما فصّل لنا الغرب، ولا نحبذ الا أكلهم، وكيف أصبحت لغاتهم اقرب الى قلوبنا من لغتنا، ولكن لا يذكر احد منا هذا الغزو الرياضي، الذي بات يغزونا في عقر دورنا.على الأقل ان الغزو الثقافي قلما يفرق بين الأخ وأخيه، ولكن هذا الغزو الرياضي ربما يؤدي الى شجار بين الأخوة والأصحاب ويصاب أحدهم بإصابة فادحة، او ربما يقطعون علاقتهم لأن احدهم قد سب اللاعب المفضل للآخر، كما أنهم لا يتورعون عن سب بعضهم بأحقر الشتائم، فتُسب الأم والأخت فيفضّوا بكارة شرفهم بألسنتهم، وفي كثير من الأحيان يتمادون ليصل بهم الأمر ليسبوا الذات الإلهية لأن فرصة قد ضاعت.ما أتفهه من شعب يسب خالقه لسبب تافه.

فلنفق من غيبوبتنا، وندرك ما نفعل، لنبحث عن أسباب تجمعنا، توحدنا، تجمع قلوبنا وعقولنا لنحس ونفكر بهمومنا، لندرك واقعنا الأليم، الواقع الذي باتت تألم له شعوب الأرض قاطبة، شعوب ليست عربية ولا مسلمة تخرج في مظاهرات واحتجاجات، تجمع التبرعات لتساعد بكل الطرق التي تستطيع، ونحن في غياهب ترهاتنا ضائعون.

شعبي...أمتي...ترقبوا الموعد القادم لقصف قادم او صفقة اخرى، لا تضيعوا الهمّ الذي حمله أسلافكم، لا تقللوا من قيمتكم بزيادتكم لقيمة أمور تافهة، استحلفكم بالله لا تنتظروا الموعد المقبل لمباراة برشلونة والريال.


No comments:

Post a Comment